وادي حاجر بني عمر

وادي حاجر بني عمر

19‏/04‏/2015

فنّ الرزحة وفنّ العازي في وادي الحاجر بولاية الرستاق


 




من الفنون الجميلة التي يحافظ علي ممارستها الناس بوادي الحاجر في ولاية الرستاق ، وهما فنون ضاربة في عمق التاريخ العماني الأصيل ، حيث أن طريقة أداءها مرتبطة بالرجال في المناسبات المختلفة خاصة في موسم الأعياد والأعراس والإحتفالات بالعيد الوطني المجيد وغيرها.

وفي 2012م تم إدراج فنّ الرزحة كفنّ من الفنون العمانية غير الماديّة في منظمة اليونسكو ، وهو فنّ عماني تراثي أصيل ، له محترفيه ، ويتناقل جيلا بعد جيل ، وله شواهده ومؤثّراته الطربية العمانية الأصيلة .

وفن الرزحة والعازي مرتبطان بالصلابة والحماسة وطابع الرجولة والجمال ولهما بعد حضاري لعمان ، ويعتبر وادي الحاجر بولاية الرستاق أحد الواجهات السياحية التي مازالت إلى يومنا الحاضر تمارس وتحافظ على هذا الموروث الأصيل بنفس النسق الذي توارثناه من الأجداد والأسلاف.

وهما مرتبطان ببعضهما من حيث توقيت الأداء ففنّ الرزحة يسبق فنّ العازي والأخير يأتي بعد أداء فنّ الرزحة ، حيث يلتهب الحماس لدى الأفراد في أداء فنّ الرزحة ويبلغ ذروة ذلك الحماس الوقاد في الإنتقال من فنّ الرزحة وإستبداله بفنّّ العازي .

وتركّز فنون العازي والرزحة على إشعال حماسة الشباب من خلال ذكر مفاخر أسلافهم في التاريخ ، وإنتصاراتهم على الأعداء في معاركهم وقتالهم ، وعلى ما يمتلكونه من قوة وسلاح ، ويفاخرون أيضا بأنسابهم وحسبهم من خلال ترديد أبيات شعرية قام بتأليفها لهم شعراء القبيلة.

وتتلخص طريقة أداء فنّي الرزحة والعازي في موسم الأعياد في بلدة حاجر بني عمر كمثال من خلال تجمّع الذكور من مختلف الفئات العمرية في مكان أعتادوا التجمع فيه في مثل هذه المناسبة والتوقيت دائما يكون بعد صلاة العصر ثالث أيام العيد واليوم الرابع والخامس والسادس والسابع احيانا ، حيث يبدأ الفنّ بدق الطبول بشكل يثير الحماسة ويدفع الناس لتشكيل دائرة حول الطبالين وإقتراح الأبيات الشعرية التي سيرددونها خلال الرزحة ، وقسم أخر من سكان البلدة يجتمعون في حارة أخرى ويقومون بنفس الطريقة وإنقسام أهل البلدة لتأدية فنّ الرزحة عائد إلى تقسيم الفخيذة بها.

 

تتحرك الفرقة والأولى من مكانها بعد الإتفاق على الأبيات الشعرية التي سيرددونها أثناء تأدية الفنّ وسط قرع الطبول الحماسية وعلوّ صوت البوق " البرغام " وهذه الفرقة بدورها تنقسم أثناء تحركها إلى قسمسن قسم يردد بيت شعر وقسم يرد عليهم ببيت شعري آخر وتتعالى الأصوات الحماسية مخلّفة فنّ الرزحة الراقي ويكون تحركهم بإتجاه وادي البلدة يتوقّفون في تحركهم في كلّ حارة يمرون بها لتغيير الأبيات الشعرية ولحثّ الشباب في تلك الحارات لمشاركتهم الفرحة وسط ضجيج السيوف والعصيّ وطلقات الأسلحة النارية كالكند وغيرها ، وتلتقي هذه الفرقة مع الفرقة الثانية القادمة من الحارات الأخرى في وادي البلدة وتثور الحماسة بشكل أكبر لدى الفريقان وذلك ليظهر كل فريق أنه الأفضل ، راسمين لوحة نادرة نابعة من الإرث العماني العريق في التكافل الإجتماعي العماني وتنتهي تلك الحماسة بتعالي أصوات التكبير والصلاة على النبي الكريم ، ثم تهدأ الأصوات ويعانق الرجال بعضهم ويتبادلون التهاني والمباركة بالمناسبة السعيدة ويتوقفون للإستراحة في الوادي لربع ساعة.








ثم يبدأ فنّ العازي:

وبعدها يبدأ الطبالون في كلا الفريقين بدق الطبول في مكان واحد معلنين بأن فترة الإستراحة قد أنتهت وتتعالى أصوات الأبواق معلنة لكلا الرجال في الفريقين بوجوب التلاحم وفي فريق واحد ، فيشكّل الفريقان فريق واحد وبنفس الطريقة الأولى من إقتراح الإبيات الشعرية المادحة للوحدة بين جميع الفخائذ المكونة للمجتمع فيصطفون في صفيين متقابلين كل صف يردد أبيات شعرية جماعية ويردّ عليه الصف الأخر بأيات أخرى ويتحرك ذلك الفريق الموحد بشكل بطيء وسط تلك الحماسة الوقّادة وقرع الطبول وتعالي صوت البرغام متّجهين إلى وسط البلدة يتوقّفون خلال كل حارة يدخلونها لبضع دقائق وهكذا إلى أن يصلوا إلى ساحة مفتوحة وسط البلدة ويشكّلون في تلك المساحة دائرة عملاقة يغلقونها بما لا يقل عن 500 رجل ، وفي وسط الدائرة يتشكّل فريق مكون من ما لا يزيد عن عشرة رجال حيث يكون أحدهم هو من سيؤدي دور العازي ويحمل سيفا وعلى يمينه أحد الرجال يمسك بعضد يده اليمنى وعن شماله رجل يمسك عضد يده اليسرى وخلفه رجلان إلى ثلاثة رجال كالحرّاس وعلى أيمانهم وشمائلهم وخلفهم يكون الطبّالون وأصحاب الأبواق "البرغام" وأحيانا ينظمّ إلى هذه التشكيلة مجموعة من رجالات البلدة وأشرافها ممن يمتلكون الأسلحة النارية كالكند يصنعون معا هيبة ووقار للعازي.
يبدأ العازي بصوت عالي جدا بالتكبير " وو والمسلمين كبّر" فيكبّر كل الرجال الحاضرون ، وبعد التكبير يعمّ المكان هدوء تام جدا ، حيث لا تسمع همسا ، سوى صوت العازي يقول عبارات حماسية قوية معددا مفاخر القبيلة ومأثرها وإنتصاراتها عبر الأزمان والدهور ومفاخر الأمة بنسب القبيلة الغائر في القدم وذكر مؤسسيها ومن هذه العبارات :
اسود ولاد العم

أسود ولاد الناموس

في الصفنات

في الرزنات

عزّ يدوم

فخر اليوم

ولاد عمر

عمر بن الخطاب

قصاصين الرقاب

شاهرين الأذان

ميتّمين الطفلان

........ألخ

وفي كل عبارة يرددها العازي يردّ عليه الحاضرون بكلمة "هيه" وتعني نعم صدقت.

ثم بعد ذلك يكبر تكبيرة طويلة معلنا بداية ترديد الأشعار من قبله ، فيبدأ هو والفريق الذي حوله يدورون في الدائرة ملقيا أبيات شعرية متوارثة وفي كل بيت شعر يرد عليه الحاضرون في الدائرة بكلمة " وسلمّ" أي أحسنت وهكذا يؤدى هذا الفنّ في ذلك المشهد النادر الجميل إلى أن تنتهي القصيدة الشعرية التي يبلغ عادة عدد أبياتها عدد حروف اللغة العربية حيث أن لكل حرف بيت شعر يستخدم ذلك الحرف لبدأ البيت الشعري لذكر منقبة من مناقبل البلدة والقبيلة ورجالها وبطولاتها وينتهي فنّ العازي بالتكبير والتهليل من قبل الجميع.

وخلف دائرة الرجال في هذه الساحة وعلى أسطح المنازل المحيطة بالساحة يجتمع النساء والأطفال والضيوف ، حيث أن فنّ العازي يحضره كل أفراد القبيلة ، يصنعون لوحة عمانية فريدة نادرا ما تجدها في أي مجتمع محافظين على ذلك الإرث الحضاري العملاق الذي صار نادرا في كثير من المحافظات بل وإنقرض في كثير منها.
وبالرغم من التطور الذي وصل إليه سكان الوادي إلى أن هذا الفن وغيره ما زال يعتبر ركيزة للتعبير عن الفرحة أيام الأعياد والمناسبات المفرحة ، وما زالت مدارس الوادي تغرس هذا الفنّ في نفوس أجيالها ، وتدرّبهم على الطرق الصحيحة لممارسته.



 

 

 فيديوا عن فن الرزحة :


 
 
 
 
 
 
 
فن العازي للشاعر المرحوم سليمان بن سيف المعمري

 
 
 
 






بقلم : أبو لمى سامي هلال حمد سعيد المعمري
الصور : هاشم خميس حمد سعيد المعمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق